
من المجرم... الأفعى؟؟؟ أم الكوبرى؟؟؟
المسكينة فارقت الحياة وهي تتلوى في ألم لا نهائي كمن يتخبطه الشيطان من المس، طاعنة في السن حفرت الأيام في وجهها دروبا ووديانا، ظهرها المقوس يوحي أنها صبورة مجدة تحملت ما تنوء بثقله الجبال. لا أحد يشك في أن ميتتها كانت أسوأ ما يتصوره إنسان، لكن ما عساها هذا قدرها الذي التصق بجلدها اختار لها أن تعيش في منطقة نائية من اقليم شفشاون، واختار لها أيضا أن تعيش تحت سلطة أناس لا هم لهم غير الوصول الى المناصب وحوش ضارية في ثوب بشر؛ مجرمون حقيقيون قتلوا مشاعرهم بأيديهم.
فبينما كانت تعيسة الحظ تجمع الأعشاب لتعليف أغنامها لذغتها أفعى مسمومة التصقت بيدها التصاقا، وبعد جهد جهيد أبعدتها لتسقط متداعية مطلقة صرخة اجتمع لها الناس. شاهدوها و هي تتقيأ الدم وتتألم وتتمرغ في التراب غائبة عن الوعي؛ فدوار "تانجرو" حيث تعيش معزول تماما عن العالم، كل المسالك الموصلة اليه وعرة ومخيفة، ساهمت الأمطار الأخيرة في محو معالمها، لذلك استغرقت وقتا طويلا لتصل الى أقرب مستشفى وهو الموجود في "وزان".
دلفت المشفى مترنحة وعيناها تقولان أن سما قاتلا قد وصل الى قلبها بشكل لا ينفع معه علاج. استعادت شيئا من وعيها لتغيب بعدها غيبة إلى الأبد. لابد أن الأفعى كانت خطيرة ولابد أن السم كان قويا، هذا ما ردده بعد ذلك سكان الدوار الذين لم ينتبهوا الى الأفعى الكوبرى التي تحيط بهم من كل جانب وتخنقهم حتى الموت، والتي كانت سببا رئيسيا في هذه المأساة.
يحدث في كل البلدان أن تلذغ الأفعى الناس ولكن نادرا ما تؤدي عندهم هذه اللذغة الى الوفاة، فلو كانت الطريق سالكة كما وعد كل المرشحين الجماعيين في المنطقة أن يصنعوا مع قرب كل انتخابات لاحتاجت المصابة الى نصف ساعة فقط كي تصل الى المستشفى عوض نصف يوم، والتلقت العلاج بشكل يضمن شفائها. فمن المسؤول اذن؟؟ وهل هذا مجرد حادث؟؟ أم هي جريمة مكتملة العناصر؟؟
بالمناسبة أنا أيضا تعيس الحظ لأنني أعمل مدرسا في هذا الدوار وأتعرض إلى مثل هذه الحوادث باستمرار ومع كل ذلك لم يشفع لنا ما نقاسيه من معاناة وما يتهددنا من أخطار لدى الحكومة التي مازالت مترددة في منح تعويض بسيط لفائدة المعلمين العاملين بالعالم القروي.
المصطفى المرابط... وزان (المغرب)