الفراق الصعب

[المهدي عبيد]

حسنا أعرف أن العنوان خاطئ، وقد يكون واقعيا جدا، هي فضفضة أكثر منها مشكلا، ويمكن تحمل حلا لأكبر مشكل كنت أعانيه، طيلة المدة الماضية كنت غائبا عن النت غياب شخص كره الانترنت فعلا، في بعض الاحيان يحس الشخص بالملل مما يفعله، مهما كان هذا الذي يفعله مهما له أو للغير، أو يخيل اليه مجرد التخيل أهمية العمل المنجز، كنت مدمن سجائرمن الرعيل الأول، والحمد لله أقلعت عنها نهائيا باذن الله، ولذلك كنت كالحاضر الغائب أمام الحاسوب، ومن لا يدخن سوف لن يفهم مدى صعوبة الاقلاع عن التدخين، قد يحدثك عن العزيمة وكل الكلام الذي اعتبره نظريا جدا أمام مسالة الادمان، تحس بانعدام كلي للتوازن، فحتى الاكل والشرب يصبح مملا دون سيجارة في الاخر، لدي جار طريف في ردوده وأقلع منذ سنتين، كان يقول أنه بقي طويلا يحس بلا فوارق بينه وبين الحمار ، ياكل ويشرب وينام، وللأسف وصلت لحالته هذه الايام، كانت السيجارة هي المسيطرة كليا، دون تضخيم للامر هي تعطيك الاحساس أنك سيد نفسك، هو وهم نعم ولكنه وهم يسيطر كليا على دماغ البشر ليكون عبدا لسيجارة صغيرة لا تحسب أو تعد، اقلاعي عنها جعلني أنام كالدجاجة بعد العشاء، جعلني أكره الشاي والقهوة وجلسات الاصدقاء، لم يعد لي أي صبر في مطالعة أي موضوع بالمنتدى او غيره مهما كان مهما أو مهما كان قصيرا، في ايامي الاولى كنت أتساءل دائما كيف يعيش من لا يدخن وبأي مقياس، دون ملل، دون احساس ... ؟؟؟، بعد الاقلاع بمدة اكتشفت أني أصبحت أكثر هدوءا أو يمكن هادئ رغم أنفي، فكل مفاصلي ترتعش، وأحس أنها غير مترابطة، كنت أهرب دائما من أي موضوع حول التدخين، فاحساس الشخص بالخطأ يدفعه للهروب من مواجهته، ووصلت أخيرا لمرحلة كره التبغ والتدخين، بقدر تعبي كان كرهي له مضاعفا، كانت السيجارة رفيقتي لسنوات عدة، عشرة طويلة ليس بسيطا قطعها بين عشية وضحاها، اكتشفت أن ما دفعته ثمنا لعلبة السجائر طيلة هذه المدة كافيا للحصول على واحدة من الهدايا التالية:
- منزل صغير تام الشروط يتسع لكل العائلة
- سيارة رائعة
- زيارة أكثر من 10 دول اروبية والعيش فيها سلطانا
- شراء 10 مواقع أو منتديات مشهورة وفوقها هدية لكل بائع
- أحج مع زوجتي و أبنائي و يتبقى ما يقيم مأدبة كبيرة
- بعث مشروع صغير يتوفر على كل مقومات النجاح
- وعشرات الهدايا الاخرى التي لا تحصى ولا تعد

والغريب أني كنت أدخن تبغا رخيصا لدينا، ولو دخنت الارقى قليلا منه فيمكنكم مضاعفة الهدايا السابقة للضعف، قد يقول أحدكم كم يبالغ هذا الرجل فكيف لعلبة سجائر أن تعادل هذا، وللأسف الشديد اقول لك تمنيت فعلا أني كنت ابالغ ولكن المبلغ كان فعلا أكثر من 15 الف دولار، و كنت أجالس من يدخن سجائرا مستوردة ثمنها يفوق ثمن علبتي بثماني أضعاف ...
بالطبع نسيت ذكر أكبر هدية وهي الصحة التي كادت تضمحل مع هذا الحبيب الرائع
والوقت المهدور في ممارسة هواية التدخين والمقدر بثلاث ساعات يوميا على اقل تقدير...
وكل من يدخن يعرف أن السيجارة لابد ووجوبا أن تكون مرتبطة بحبيب آخر، فنجان شاي أو قهوة والحساب يجمع كما يقول المثل المصري ...
ما اقوله أن الله سبحانه عافاني من هذه البلوى وربي يوفقني لاصلح ما ضاع، وأرجو أن يغفر لي خطئي في حق نفسي وحق المحيطين بي ...
ولأختمها خاتمة مقبولة فنيا على الأقل، قررت مساء الانقطاع نهائيا عن ممارسة هذه الافة، فاشتريت ما يلزم ليلتها، و مع آخر سيجارة وقبل أن أنام ودعت الحبيب الغالي، أمسكت بها طويلا أمام ناظري وهي تملا الغرفة دخانا، وودعتها الوداع الاخير، وعندما كانت ترسل آخر نفس كنت استقبل أول دقيقة في اليوم الموالي الذي أردته خال من مرافقة الحبيب، ومرت الايام و تعودت الان على فراقه بل و سعيد جدا لأني تمكنت من الافلات منه، أعترف أني قضيت اياما سوداء ندمت فيها مرارا عن قراري المتسرع وغير الموزون في الاقلاع عن التدخين، والحقيقة أنه لم يكن سوى شيطانا عملاقا في داخلي يشجعني على العودة والتمتع بالحياة، الان الحمد لله، بدأت استغرب ممن يدخن بجانبي، فحتى منضدة الحاسوب أصبحت نظيفة، كانت رحلة انتهت بسلام الان والحمد لله، وحلها اجبرني على الابتعاد رغما عني عنكم وعن المنتدى، ففي فترة الاقلاع الاولى كرهت أهلي وحتى زوجتي وأطفالي أصبحوا شيئا غريبا لدي، كانت رحلة مهمة بسلبيتها وقذارتها واحمد الله اني تجاوزتها
أرحب بنفسي مجددا بمنتديات الامل وكلي سعادة بالرجوع اليكم
السلام عليكم