عرض مشاركة واحدة
قديم 02-11-2008, 17:37   #1
معلومات العضو
المهدي عبيد
نجم الأمل
الصورة الرمزية المهدي عبيد







المهدي عبيد غير متصل

آخر مواضيعي

افتراضي سلسلة القصص الواقعية في تحدي المستحيل .. الموسوعة التايلندية المتحركة : الفصل الخامس




الفصل الخامس



عرفنا في نهاية الفصل الرابع كيف تمكن معز من أن يكون رقما صعبا في المعاملات داخل السجن , و أصبح وجوده سليما مطلوبا من الجميع , و الكثير من رجال الأعمال الأجانب المسجونين خصوصا عاد لإدارة أعماله من خلال معز , و الكثير من رجال العصابات الأقوياء أعاد ترتيب أمور مجموعته بفضل معز , و الكثير من الحراس تمكن من تحريك ملف ترقيته النائم منذ سنوات بفضله , كانت هذه الصورة قبل أن تتطور الى الأعلى .
في صباح أحد الأيام وقع استدعاء معز لمقابلة مسؤول إداري , و عندما أدخل المكتب وجد مجموعة من المسؤولين الكبار و ليس مسؤولا واحدا فقط , و بعد عديد المقدمات الضرورية عرضوا عليه تنفيذ فكرة جديدة في السجن و تطبق لأول مرة على مستوى كل تايلندا , و هو أن يصبح سفيرا مزدوجا بين الإدارة و المساجين , يبلغ المساجين الأجانب خصوصا طلبات الإدارة و يبلغ الإدارة شكاوي السجناء مع العمل على حل المشاكل العالقة , و كانت الفرصة الذهبية التي ينتظرها , فلم يضيعها , وافقهم على طلبهم و اسند له هذا المنصب الذي أسند لمعز لأول و آخر مرة في العالم , و أصبح له زيا خاصا يميزة عن الجميع , و شارة تفتح له كل الأبواب , و وضعت له زنزانة خاصة بها كل ما يحتاج اليه , و أهم ما في المنصب الجديد أنه يتمتع ببعض الحرية , أو هي الحرية كاملة إذا قورنت بما مضى , بحكم اتصال معز الدائم بالإدارة أصبح له الحق في الخروج و الوصول الى أي ركن في السجن و الجلوس في الهواء الطلق خارجا على أن لا يتجاوز السور الخارجي بالطبع , .
و تميز معز بروح مرحة و قدرة عجيبة على حل المشاكل التي تحدث بين السجناء في ما بينهم أو بينهم و الإدارة
و خروجه الحر بين الإدارة و العنابر زاد في تطور معاملاته لأنه أصبح قادرا أكثرا على الإتصال بأفراد آخرين حتى من خارج السجن , و كلما زادت المدة تعلم اكثر أصول العمل الإداري المكلف به و الخاص الذي يهم دخله المالي , و بدأ يكون ثروة صغيرة بدأت تكبر رويدا رويدا حتى تجاوزت الثلاثين ألف دولار خلال هذه المدة , و بنى علاقات صداقة قوية جدا مع عديد الأطراف في الخارج أمنت له خروج ماله من السجن و إيداعه في أحد البنوك الكبيرة , كانت هذه المرحلة من أقوى المراحل التي قضاها في السجن مهنيا و ماليا , و تطورت علاقاته مع السلك الإداري للسجن و تشعبت حتى أصبح يساعد ماليا بعض المحتاجين من الحراس و الموظفين و هذا جعل له مكانة لم يصلها أحد من قبل و كان من نتيجة ذلك أن تعاطف معه الجميع و ساعده الجميع و بدأوا يعملون جاهدين للتخفيف من معاناته كسجين , و قدم له المسؤولون عن السجن كل من جانبه ما يحتاج اليه من دعم أدبي و ذلك بمدح سلوكه السوي و صلاحه و أنه أصبح بعيدا عن عالم الإجرام و كل ذلك من خلال تقاريرهم التي توجه دوريا إلى أعلى المستويات في البلاد , و كان من نتيجة ذلك مفاجأة جديدة لمعز أتت في وقت ليس بالطويل ..
في أحد الأيام , قدم معز من السجن و دخل الإدارة و ما راعه الا و أحد المسؤولين يأتيه مستبشرا و بدون مقدمات , قال له : يا معز ... لقد خفضت لك المدة الى 25 سجنا فقط , لم يمض وقت طويل حتى سرى الأمر في كل الإدارة و هنأه من هنأه مواساة لأن الـ 25 سنة ليست قصيرة على أية حال , أما معز فزاد إيمانه بأن الفرج آت لا محالة و ليس عليه سوى الصبر , الحمد لله من 100 سنة , قرن من الزمان , الى ربع قرن , لا بأس لنبدأ النضال من جديد , .
كانت الأوضاع سيئة جدا لدرجة لا توصف , و هي بطبعها سيئة , صحيح أن معز أصبح محظوظا نوعا ما و لكن مهما يكن فهنالك أناس يسحقون يوميا بالداخل , و من ضمنهم بعض العرب الذين وجدوا أنفسهم و لظروف مختلفة من زوار هذا السجن الرهيب , و من غرائب الصدف أن يتعرف و بعد مدة طويلة على سجين من وطنه الأم تونس , يا إلهي ... كم الدنيا صغيرة , ماذا حدى بهذا التونسي الثاني الذي رمت به الأقدار من أقصى شمال إفريقيا إلى دولة نائية في جنوب شرقي آسيا , و عرف منه قصته الغريبة كذلك و التي ليس المجال لذكرها , المهم حاول معز بما أمكنه مساعدة إخوانه من العرب و المسلمين الذين جاوروه , و أحس بعد مدة أنه ليس منطقيا على الإطلاق التغاضي على ما يحدث أو دفن الرأس في التراب , فما يجري في السجن كان فوق طاقة الإحتمال , كانت كل حركة ملطخة بالدماء , دماء الضعفاء و أكثرهم من الأجانب سواء من جلدته أو من غيرهم , لأن الفساد كان مستفحلا جدا و لدرجة قصوى بإدارة السجن , إذا كنت نزيلا كبيرا ماليا بالطبع فسوف تعش عيشة الملوك و الأمراء أما إذا كنت فقيرا فسوف تسحق كالنملة أمام الفيلة , و معز تجاوز كل هذه المآسي و لكن و بحسه العربي و معتقداته الإسلامية لم يستطع التحمل , فأمله في الماضي كان الحفاظ على رأسه و البقاء على قيد الحياة بأي شكل كان , لكن و بحكم عمله الجديد كان يمر بمآسي يومية تحمل معاناة رهيبة من أناس ذنبهم الوحيد أنهم كانوا من نزلاء هذا السجن الرهيب , و مهما حاول معالجة المشاكل العالقة و أن يكون منصفا مع من ظلم فهنالك القانون الواقعي المعروف الذي يحكم السجن ... الحق دائما للأقوى , و كان كلما حاول الدفاع عن مسجون ضعيف لدى الإدارة يعارض بشدة و يذكر بالنعمة التي ينعم فيها و كم من السجناء الذين أحبهم و قضى معهم عشرة طويلة طيبة يكتشف في لحظة قاسية من الزمن أنه ذهب ضحية معركة رخيصة بين بعض مجرمي العصابات و التحقيق يحفظ ,و يدارى كل شيء و تتواصل الحياة عادية و كأن من مات كلب مسعور ..., العديد من المساجين الطيبين من أصحابه ذهب ضحية مجرم مرتزق من أجل بعض الدولارات الرخيصة , الكثير منهم أهينت كرامته و عقدوه طيلة ما بقي له من هذه الحياة ,
أحس معز بالتفاهة و أنه إذا واصل هكذا سيخرج من السجن إما مجنونا أو سفاحا
و اختار و صمم على اختياره في أن يحافظ على عقله سليما و أن لا يكون مجرما
و كانت خطوة نفذها بعد ذلك قلبت السجن رأسا على عقب , خطوة أعادت الاعتبار لآلاف السجناء الضعفاء و كانت خطوة جديدة من تحدي المستحيل

ماهي هذه الخطوة ؟ و مدى خطورتها ؟ و لماذا هي خطوة جديدة من أنبل و أعمق خطوات تحدي المستحيل ؟

كل ذلك تطالعونه في الجزء القادم بإذن الله