عرض مشاركة واحدة
قديم 31-10-2008, 17:51   #1
معلومات العضو
المهدي عبيد
نجم الأمل
الصورة الرمزية المهدي عبيد







المهدي عبيد غير متصل

آخر مواضيعي

افتراضي سلسلة القصص الواقعية في تحدي المستحيل .. الموسوعة التايلندية المتحركة : الفصل الرابع




الفصل الرابع

أهم شيء في حياة معز هو الحفاظ على راسه سليما في هذا المستنقع , لأنه لو سقط لن يأخذ من الوقت أكثر من نصف ساعة بين حمله و دفنه خارج السجن , لا يبتعد الأمر في ظل عرف السجن المعروف للجميع عن قتل بعوضة صغيرة في المنزل و كنسها خارجا بعد ذلك , و معز أدرك ذلك جيدا , لذلك كان أكبر اهتمام لديه هو كسب صداقة الجميع , من مدير السجن الى أدنى لص في العنابر , و لكن كيف سيكسب ود و حب هؤلاء و كيف سيكسب ماليا خلال مدة بقائه في هذا المنفى .
كما عرفنا سابقا كان السجن يضم العديد من رؤساء العصابات الخطيرة , و العشرات من التابعين , و من جنسيات العالم المختلفة , و كلهم يعانون مما عاناه معز في بدايته , معاناة اللغة و القدرة على التعامل مع العالم الخارجي , و كان السجن هو المقر الأساسي لكل هذه العصابات لإدارة أعمالها في الخارج , كان السجن هو الإدارة لكل عصابة و التنفيذ يتم خارجا أو داخل السجن كذلك كما عرف معز ذلك , كان السجن منبع كل الصفقات التي تتم بين العصابات في ما بينها أو مع أطراف خارجية سواء كانت في تايلندا أو خارج تايلندا , أدرك معز بذكائه أن وقود بقائه يتمثل في فهم لعبة المصالح هذه التي تحكم كل الأطراف , كان العالم باسره متجسدا في هذا السجن العملاق , كل الأديان و الأطياف العرقية موجودة ضمن هذا العالم المصغر , كانت تجربة انسانية فريدة و لا تتوفر دائما بل تكاد تكون نادرة التوفر , لذلك كان لزاما عليه دخول المرحلة الثانية من مراحل تحدي المستحيل , و هذا المستحيل يتمثل في جعل كل من في السجن بادارته و سجانيه و مسجونيه يدور في فلكه و يجعلهم محتاجين له , كلهم على حد السواء , مما يجعل الحفاظ على حياته أمرا يسيرا و تحويل الحفاظ على هذه الحياة أمرا منوطا بغيره من رؤساء العصابات المختلفة و المتناحرة , كيف ذلك ؟ و ماذا سيفعل بالضبط ؟
أحس معز خلال المدة التي قضاها أن عائق اللغة بقي حاجزا أمام الإدارة لتنسيق الأمور كما يجب في السجن , و أمام السجناء في ضبط أمورهم مع الإدارة و مع الخارج , و امام رؤساء المصالح داخل السجن و خصوصا الأجانب منهم في تصريف تجارتهم كما ينبغي , لذلك حدد ابرز المحتاجين له و حدد لغاتهم و بدأ أولى الخطوات في تعلم 5 لغات أجنبية دفعة واحدة متسلحا بعزيمة فولاذية لا تكل و لا تمل , ليلا و نهارا , مقتنصا كل فرصة مهما كانت صغيرة و مهما كان الطرف المقابل تافها , المهم أن لا يخرج فارغا من أي لقاء مهما كان , حتى و لو كان كلمة جديدة واحدة , و استمرت هذه الرحلة بشكل ناجح لا يتخيل , و مع تواصل الطريق بدأ يلفت الأبصار اليه من كل الأطراف , رؤساء و مرؤوسين , هذا الشاب العربي المسلم الذي بالكاد يحسب في ما مضى قلب كل المعطيات بالعزيمة التي لا يمكن تصور حجمها , و بعقلية لا تؤمن بالمستحيل , و بدأت ثمار مجهوده تتوضح رويدا رويدا , و الكثير من نزلاء السجن ممن يعرفه قدروا له الجنون الأكيد بعد بعض الوقت لأن المجهود الذي يبذله كان فوق طاقة البشر العادي , و أقرب المقربين له كان يسأله باستمرار : يا معز , أنت محكوم بـ 50 سنة , فلماذا تفعل كل هذا ؟ لماذا تناضل من أجل شيء من المستحيل بلوغه و حتى لو بلغته , ماذا ستجني , أنت دخلت السجن و في دماغك أربع لغات هي العربية و الفرنسية و الأنقليزية والإيطالية فلماذا الخمس لغات الجديدة , فلا يستطيع الرد عليه الا بشيئين الأول أن ذلك لتمضية الفراغ القاتل و ثانيا سوف تدرك هدفي لو أحياني و أحياك الله , .
بدا معز يحرر الرسائل للمساجين الذين لا يعرفون الكتابة و القراءة الى ذويهم عبر مناطق العالم المختلفة , و يحرر مطالب العفو الملكي لمن يريد من المساجين و يحرر كل مراسلات رؤساء العصابات الى اتباعهم في الخارج بلغات غير التايلندية خوفا من اكتشافها من طرف ادارة السجن و يحرر كل المراسلات التي تتم بين كل الأطراف سواء كانت تجارية أو شخصية , و وصل الأمر الى تحرير طلبات الترقية أو النقلة للحراس و كل ذلك بثمنه وفق القدرة و المكانة و أهمية المراسلة , و زاد نجاحه لأنه كان صندوقا مغلقا , فما وصل دماغه يفجر السجن على الجميع لو تكلم و لكن المصلحة حتمت أن يكون أمين سر الجميع , و تسعيرته تنطلق من المجانية للرؤوس الكبيرة و مفتشي السجن الى الـ 20 دولار للخدمة الواحدة لباقي الحرفاء , .
أصبح معز السجين الظاهرة في السجن , أصبح السجين الوحيد المعروف بالإسم لدى كل نزلاء السجن و الإدارة , و مع تطور قدرته في الإلمام باللغات المختلفة تتطور مداخيله , و أصبح مع الوقت أهم شخصية نزلت في عنابر أقبح سجن تايلندي على الإطلاق .
لفت معز الأنظار اليه من الحراس و كثر الحديث حوله و عليه في كواليس الإدارة و وصل أمره الى آذان المسؤولين الكبار بالسجن , و بدأت تعد شيئا فشيئا مفاجأة جديدة لمعز تصعد به الى سلم عالي فوق الجميع , أدركت إدارة السجن أنها أمام ظاهرة جديدة لم تشهدها من قبل , ظاهرة شاب صغير السن, ومن أقصى شمال إفريقيا , و من تونس هذه الدولة الصغيرة التي يجهلون عنها كل شيء ,و محبوب من الجميع , يتكلم و يكتب و بطلاقة تامة 9 لغات, لماذا لا تستغل الأمر و يكون أحسن وسيلة للتفاهم بين الإدارة و بين المساجين الأجانب , فكل مشاكل السجن نتجت من عدم التفاهم اللغوي خصوصا , و قد كان ذلك , و وفق ما قدر معز من البداية و أصبح سفير الإدارة لدى السجناء و سفير دولة المساجين لدى الإدارة .

هذه الوضعية الجديدة كيف تمت و ما هي آلياتها و ما تاثيرها على بطل قصتنا و المغنم الذي كسبه
و كيف أنها كانت سببا في في منعرجات أخرى

كل ذلك تطالعونه في الفصل القادم ان شاء الله تعالى



آخر تعديل كان بواسطة المهدي عبيد بتاريخ 31-10-2008 على الساعة: 17:53.