وجهة نظر ...
أثناء متابعتي لأحد برامج القناة الثانية , لفت انتباهي أحد الشباب
المغاربة المهاجرين وهو يعرض مشروعه التنموي بحماس ,
وبلغة فرنسية فصيحة ..
المشروع يحاول من خلاله هذا الشاب تسويق الزيتون وزيت الزيتون
في فرنسا , مع العلم أنه جلبهما من بلدته الاصلية...
اجتهد الشاب في استخدام أحدث الطرق لتعبئة منتوجاته , وتكاد تجذب
المرء عبوة المنتوج أكثر من المنتوج نفسه ,كما اجتهد في عرض
الطريقة المغربية في تقديم الزيت والزيتون على المائدة المغربية,
مستعينا بامرأة تلبس اللباس التقليدي المغربي وهي تشرح للمارة
كيف يأكل المغاربة الزيت والزيتون في أواني فخارية صغيرة تشبه
الطواجين ....!!!
ياله من مشروع تنموي هائل ...!!!
وما أكثر أشباه هذا المشروع ...!!
فكثيرا ما شاهدنا من يسوق لزيت الاركان بنفس الأسلوب , داخل
المغرب وخارجه ...
والملاحظ أن المستهدف الرئيسي بمثل هذه المشاريع هم الأجانب ..!!!
شبابنا يبيعون للأجانب ما تبقى من خيرات بلدهم الطبيعية مساهمة منهم
في تنميتها ..!!!
ونعم المشاريع ...ونعم التنمية ...!!!
ارتفعت أثمان زيت الأركان إلى أرقام صاروخية ...
وقد غاظني ما رأيت في أحد البرامج ..
مقادير هائلة من زيت الأركان تجمع من أماكن متفرقة , و تتم تعبئتها
في زجاجات فاخرة ثم يصدرها صاحب المشروع وهو أوروبي إلى
السوق الألماني على ما أذكر...
أصبحنا نحن المغاربة أصحاب الأركان نجد صعوبة في الحصول عليه ,
لأن أهل البادية لم يعودوا يجودون به على زوارهم وأحبائهم لا بيعاً
ولا عطاءً كما كانوا يفعلون , ظنا منهم أن بيعه حبوبا أو زيتا للجمعيات
التنموية سيغنيهم ...
هل يمكن أن نعتبر بيع خيراتنا للأجانب وحرماننا منها تنمية ؟
هذه ليست تنمية هذا تهريب لخيرات البلد ...
ألم يكن أولى بنا أن نروج لمنتجاتنا المحلية في بلدنا أولا, ثم نروج بعد
ذلك للفائض في الخارج , فهناك مدن كبرى كالدار البيضاء بها مواطنون
واعون , ويقدرون قيمة هذه المنتوجات , لكن , لا أحد يفكر فيهم
أو يهتم بهم ...
وقد يقول قائل أن الناس في البادية يستفيدون من هذه المشاريع في
تحسين مستوياتهم المعيشية , لكن الواقع أن المستفيد الأكبر هي
الشركات , لأنها تشتري الحبوب بأثمنة زهيدة , وتستغل سواعد
العاملات بأجور متدنية..
والحقيقة أني أذهب سنويا لإحدى المناطق المنتجة لزيت الأركان , ولم
أقف على أية تنمية , فأحوال الناس لم تتغير بل قد تكون أسوأ مما
كانت عليه في السابق ..
في سنوات مضت ركز المغرب على تصدير الزربية المغربية الأصيلة,
وبعد أن زهد فيها الأوروبيون لاسباب يطول شرحها , والمغاربة أيضا
بسبب رواج زرابي البلاستيك الاصطناعية , كانت النتيجة كساد في سوق
الزربية المحلية , وفقدان العديد من الأيادي العاملة النسوية المختصة ,
والتي توارثت هذه الصناعة جيلا بعد جيل ..
اننا بتوجهنا للسوق الخارجي أولا, نساهم في قتل ما تبقى من هويتنا وتراثنا
وخيراتنا ولن نجني من ذلك إلا الندامة..
نحن أولى بخيراتنا وثراتنا و قيمنا , وسوف نكون أكثر غيرة عليها إن
بذلت وسائل إعلامنا مجهودا أكبر للتعريف بها بيننا عوض التركيز
على بيعها الخارج ..
أم عبد الرحمان
