عرض مشاركة واحدة
قديم 13-01-2011, 23:45   #1
معلومات العضو
المهدي عبيد
نجم الأمل
الصورة الرمزية المهدي عبيد







المهدي عبيد غير متصل

آخر مواضيعي

افتراضي ثورة تونس ... ثورة الدم المسكوب




لساني يعجز عن الكلام، والقلم لا يستطيع الكتابة، هل أحكي عن ثورة شهر الدم المنهمر، أم عن مبادئ أبت أن تدفن، أم عن الحرق المدمر أم عن الرصاص الحي المنطلق في ظلام الليل الحالك، كانت ثورة الانسان البسيط المغلوب أمام قوة لا تقاوم، كان شهرا دمويا بشكل لا يوصف وبشكل لا يمكن تصوره، كانت ثورة الشارع وثورة الفايس بوك الذي كان منبر الاخبار القوي بعد الجزيرة، عندما تسير في الطريق مسرعا وصوت الرصاص يصم أذنيك مخافة أن تكون هدفا لقناص ستحس فعلا بقيمة الموت والحياة، عندما تفرغ الشوارع من أي رجل شرطة، ولا واحد، وحدك أمام الجميع بخيرهم وشرهم ستحس فعلا بقيمة الامن المطلوب لك ولأطفالك، عندما تجد هيكلا تجاريا عملاقا تأكله النار بعد نهبه ستحس بمرارة أن ينتهك بيتك الصغير أمام الطوفان، عندما تدخر مبلغا ماليا للمستقبل وأمام الفوضى تغلق البنوك ومكاتب البريد وليس لك مال في جيبك ستحس بألم غريب يعتصرك والأسرة الصغيرة تطلب لوازما ضرورية للحياة، عندما تتوقف الدراسة وتغلق المعاهد والدكاكين وتتوقف الحافلات وتغلق المخابز ستحس أنك والمستقبل في فوهة البركان، عندما يقول لك ابنك الصغير اشتري لي يا بابا الشوكولاطة فتبتسم بمرارة وتقنعه أن ثمنها يكون للخبز أولى فلا تعرف ماذا في المستقبل، عندما تتفق مع الخباز لتشتري كمية كبرى من الخبز الجاف فلا تدري ما تخفي الايام فقد تستعمله مبتلا بالماء مستقبلا، مجرد هذا التفكير يعطيك أملا في سقوط سريع أمام الامواج، عندما تعلم والدك الشيخ بان يتحمل المرض فالذهاب للمستشفى ليلا فيه مخاطر تفوق قوة المرض، عندما تسمع اليوم أن الشرطي الذي كنت تشاهده بالامس يسير هادئا في الشارع مات تحت وابل الركل والحجارة تنهال من جمهور غاضب ستحس بمرارة أن تكون حيا بين الاحياء، عندما تشاهد استشهاد الاستاذ الجامعي الذي قدم لزيارة أهله بالمدينة القريبة فتأتيه رصاصة اتخذت راسه هدفا تاركا رضيعة وزوجة حامل ستدخل في هيستيريا من البكاء الذي لم تبكيه عند وفاة الوالدة رحمها الله، عندما تهجر الموقع الذي نشرته على الانترنت فكونك تكتب عن التجارب العلمية للاطفال وغيرك يموت بالرصاص و"الكروموجان" ، ستكون انسانا مجنونا ، عندما تتكلم على الجيمايل مع صديقك (عبد الهادي) ويسالك عن حالك فتقول له الحمد لله إننا في جنة كاذبا مع سبق الاصرار خوفا من أن تسجل المخابرات كتابتك ويصبح أطفالك ايتاما وأنت حي، فتحس مع الوقت أنك جماد وأنك أقرب للحيوان الصامت في الاسطبل الضيق، وعندما وعندما و عشرات غيرها ...
كانت ثورة رائعة بدمويتها وشجاعتها وجبنها المشروع أمام الرصاص، كانت تجربة لكل فوضوي مثلي في أن تستعد للمستقبل، دنيا وآخرة، للدنيا في كونك قد تصير معدما وفقيرا وأنت تملك الملايين التي لا تستطيع أن تفعل بها شيئا، وللآخرة في التأكد أن الموت أقرب اليك مما تتصور، كانت ثورة المغلوبين أمام الطغيان ومافيا الفساد والحزب الواحد وشرطة لها شهرة عالمية في وأد الشغب وليس مقاومته، ورغم كل ما رافق هذه الثورة من متاهات وانفلاتات فقد نجحت أخيرا وغيرت ما كان قبل شهر من المستحيل تغييره، ثورة قدمت تضحيات كبيرة وصلت رسميا لــ 66 شهيدا، وواقعيا قد يفوق العدد 100 أو أكثر، أكتب هذا الكلام وبعض الرصاص مازال يدوي ولكن بشائر نهايته قريبة ، فالفرحة بنجاح الثورة يعم الشوارع، قد تبقى هنالك بعض الصدامات ولكنها ستكون باذن الله وقتية فقد بزع بعض الضوء من فجر جديد. كانت قرارات الرئيس هي نتيجة ثورة الدم المنهمر لمدة شهر، وهي قرارات أذاعها باللهجة الدارجة التونسية، كانت قرارات حوصلت كل مطالب الثورة الكبيرة في الدولة الصغيرة، لمن يريد الاطلاع على النتيجة تفضل هنا
مصافحة قصيرة لثورة شعب تونس الذي ظن الجميع أنه اصبح دجاجا أبيضا فقلب كل المعطيات وكان الله هو المعين فيها، ولم يكن لديه من الوسائل الا الإيمان والحجارة والفايس بوك وقناة الجزيرة.
قد تسنح الفرصة للحديث عنها فما بعدها اصعب وأمر من الدماء التي سالت..
تحياتي لكم
*********
طلب دعوة خير من قلوبكم الطيبة

الأستاذ الجامعي من جهتي الذي استشهد ... ارجو دعواتكم الكبيرة له



وهذه جنازته .... رحمه الله




التوقيع
آخر تعديل كان بواسطة المهدي عبيد بتاريخ 14-01-2011 على الساعة: 00:17.