منتديات الأمل

منتديات الأمل (http://www.alamalnet.com/vb/index.php)
-   عبر من الواقع (http://www.alamalnet.com/vb/forumdisplay.php?f=9)
-   -   سلسلة القصص الواقعية في تحدي المستحيل ... المغامر المنسي ... الفصل الخامس (http://www.alamalnet.com/vb/showthread.php?t=10456)

المهدي عبيد 16-12-2008 18:05

سلسلة القصص الواقعية في تحدي المستحيل ... المغامر المنسي ... الفصل الخامس
 

عرفنا في الفصل السابق إفتراق الأخوة , افتراق حتمته الضرورة , ضرورة الحياة , و وجد علي نفسه في وضعية صعبة و تعيسة و ليس له الا ممارسة التسول أو السرقة أو الموت جوعا , أو تنفيذ الخطوة الأخيرة في التحدي , تحدي المستحيل أو ما يفوق المستحيل بالنسبة لطالب علم معدم , في بلد فقير غريب , و كانت هذه الخطوة , خطوة مجنونة بكل مقاييس الجنون , أو مغامرة لا يقدم عليها الا القلائل , كان المرحلة التي لا بد منها هي عبور الصحراء الكبرى , نعم عبور الصحراء الكبرى من النيجر في اتجاه تونس , .... و سيرا على الأقدام .
أقسم أنني لو لم أكن أعرف علي لما صدقت هذه الرواية , فأنا أعرف الصحراء و الصحراء من أخطر ما يكون , لأن معرفة الإتجاه في الصحراء , صعب جدا لمن ليس لديه خبرة بمسالكها , لذلك كان عبور الصحراء بالنسبة لعلي شبه مستحيل , أو هو المستحيل بعينه , فالصحراء لمن لا يعرفها ليست كثبانا رملية خلابة , أو واحات منتشرة هنا و هناك , و لكنها عواصف رملية و ثعابين و عقارب و حيوانات مفترسة لا تعد و لا تحصى , هذه هي الصحراء على الحقيقة و تكفي لسعة عقرب في مكان مقفر لتقضي عليك بسهولة , أو ينفذ الماء الذي بحوزتك , فتموت عطشا , أو تجد نفسك مباشرة أمام قطيع من الذئاب , فتتوزع آلاف القطع بعد أن تقاوم بكل يأس , , و كم كنت ابتسم و أنا أشاهد دائما في التلفزيون فناني المدينة و هم يتغنون بالصحراءبوصفها بالجنة الصغرى .
و علي كان يدرك كل ذلك ومع ذلك قرر عبور الصحراء الكبرى , أكبر الصحاري الحارة في العالم و المحتلة لأكبر نسبة من دول شمال إفريقيا و تمسح أكثر من 9 ملايين كم مربعا , و لكن علي آمن بقدرة الله على إنقاذه و على هذا السبيل انطلق , و بدأ أخطر رحلة على الإطلاق , .
حدد علي الإتجاه الجغرافي لتونس انطلاقا من النيجر , و استعان ببوصلة صغيرة يشتريها الأطفال عادة ليمرحوا بها , و بدا رحلة التحدي , تطلب الأمر قرابة الشهر ليصل الحدود الجزائرية , و هذا الشهر كان مليئا بمغامرات من أجل البقاء , لتبقى حيا لا بد أن تكون يقظا و أنت تعبر بلدا غريبا عنك , عشرات القرى عبرها و الكثير من المدن اجتازها , و كل هذه القرى و المدن تحوي آلاف الجوعى الذين قد يقتلون الغريب إذا كان يحمل شيئا , مهما يكن هذا الشيء , و قد يكون هذا الأمر غريبا و لكنه ليس غريبا عندما تتذكر ما ذكرت سابقا عن الطمع في ما كنز النمل في جحوره فما بالك بما كنز شخص غريب يمر بالقرب من الجميع , و دون حماية , و كم من مطاردات كبيرة أفلت منها , و حيل كثيرة مارسها ليتسلل بين الكل دون أن يدرك , كان يعرف مليا أنه لو بقي طيبا بين الوحوش فسوف يؤكل , سواء من العباد أو الحيوانات , و لا بد أن يعوم على مقاس الجميع , لم يقتل أو يبطش و لكن اعتبر أن كل خبز أو غلال أو خضر في سوق أو في ضيعة , هي ملك مباح له , كان مجبرا لضرورة البقاء , كان قانونا واضحا يجب أن يمارسه بالحد الذي يضمن له روحه في جسده , دون الضرر بغيره , و حتى لو وقع الضرر فقانونه في البقاء واقفا يمسح هذا الضرر من المخيلة , كان لا يسرق أوبعبارة أخرى "يأخذ" بالتعريف السائد لديه , الا مقدار قوت يومه أو حسب تقدير المسافة التي يقطعها , تشبه في رحلته هذه بالصعاليك كالشنفرة و تابط شرا , و كم من مرة يتكرم عليه راعي أغنام كرها أو طوعا بالخبز و الحليب , او يجد امامه امرأة تعد العشاء لتغيب لحظة فتجد قدرها بما فيه قد تبخر , و كانت رحلة طويلة جدا كافية لتخلق شخصا آخر مختلفا في شكله و طباعه , مع الوقت غاب هدف الوصول من دماغه ليحل محله هدف البقاء حيا بين الكثبان , و الذئاب و الكلاب و الافاعي , و رجال الصدفة الذين يضعهم القدر في طريقه , كان الصراع يفرض ضد الكل أو مع الكل وفق المصلحة الآنية للمرحلة , و بدا شكله في التغير , لحية غير منظمة , شعر كثيف متسخ , ملابس مهترئة , خذاء بالكاد يسير به , كان شكلا مروعا , و قد يكون هذا الشكل المروع هو السبب الذي أنقذ حياته عشرات المرات , و لك تخيل الصورة , شخص طويل و قوي البنية و كثيف الشعر و ملابس ممزقة و وجه كالح و ملي بالكدمات نتيجة الصراعات اليومية مع رفاق الطريق , ما هي نتيجة ما تتخيل , رجل الكهوف بأتم صورة , و تمكن بصعوبة كبيرة من عبور كل بلاد النيجر و دخل التراب الجزائري , قد تحمد عزيزي القارئ الله و تقول الحمد لله , أخيرا وصل لأرض عربية مسلمة , و لكن بالنسبة لعلي الأمر ليس كذلك , نظريا نعم و تطبيقيا الصحراء أو المساحة الكبرى من الصحراء مازالت أمامه , و وفق نفس المبدا واصل علي , كان يتحفظ كثيرا عند كل أثر غير عادي على الأرض , فأي حيوان مهما كان ضئيلا سوف ينجح في القضاء عليه وحيدا في هذا البعد اللا متناهي من فضاء الله الواسع , أصبح مسيره ليلا لعديد الإعتبارات , اعتبارات مناخية بعدا على الحرارة و اعتبارات أمنية لأن الشخص في الصحراء يكون مكشوفا للجميع ,و الصحراء ليست كما يظنها علي من قبل , هي ليست ملجأ الحيوانات فقط و لكن معبرا لعديد العصابات مختلفة المشارب , تجارة مخدرات , تهريب سلع , تهريب سلاح , و أخطرها هذا الأخير , و الأوضاع لم تكن جيدة في الجزائر و شهدت فترة رحلة علي بداية المعارضة المسلحة للحركات الإسلامية المتشددة , و كانت معارضة دموية ذهب ضحيتها العشرات, كانت في الأغلب حركات تكفيرية تكفر الحاكم و المحكوم , كذلك كانت الصحراء الغربية بتشعباتها الكبيرة, و كانت الصحراء الكبرى مسرحا خصبا لما لا يمكن أن تصدقه , كانت الرابط بين كل التيارات الحاكمة و المعارضة , و كان علي طالب العلم قد تحول الى وحش آدمي في قلب الصحراء , وحشا في شكله و بعض الآدمية التي مازالت في روحه , و التي بدأت تضمحل رويدا رويدا مع كل متر يقطعه في هذا الفضاء الواسع , و عرف علي الكثير عن الصحراء وأدرك بعض تشعباتها السياسية و الإقتصادية , لذلك كان بعده عن كل ما يجلب الإنتباه هو الهدف الأساسي , فنجاحه في هذا يعني وصوله سالما ,و كان على علي الإفلات من الجميع , من التجمعات السكانية المترامية و عصابات التهريب و أعوان الأمن و الجيش , فوجوده وحيدا في الصحراء سوف يفتح عليه أبواب الجحيم وعلى مصراعيها و لن يستطيع غلقها بعد ذلك

و رغم كل ما احتاط له فقد فتحت عليه هذه الأبواب في مرة من المرات .

كيف فتحت هذه الابواب ؟ و من فتحها ؟ و ما نتيجتها ؟

كل ذلك ارويه لكم في الفصل السادس و الأخير من مغامرة صديقي ...المغامر المنسي



إستودعكم الله


الساعة الآن 03:10